قصة شمعة ثائر لاخ هشام زربان

قصة لاخ المبدع هشام زربان ابن كلميم



شمعة ثائر.........هشام زربان


كانت الشمس تتوسط السماء ، في يوم حار تلفح فيه الأشعة الحارقة الوجوه و تسجنها داخل البيوت ، الأحياء فارغة إلا من قطط تستكين إلا ظل المنازل الطينية ،صوت الصمت و الهدوء يدندن في الآذان بصوت ترنيمي متواصل ، فجأة
انطلق صراخ من أقصى جنوب القرية من بيت "الحاج المعطي" ، سب و شتم و أصوات رفس و ركل و عبارات نابية تتناثر من هنا وهناك ، بضع أشخاص بلباس الدرك يشبعون شابا عشرينيا ضربا و لكما ، و بين الابن و رجال الأمن امرأة مسنة تحاول ان تقي الشاب لكماتهم المتواصلة فتسقط فورا بعد لكمة عشوائية أخطأت فك الشاب و استقرت على خدها الأيسر ، فسقطت دون حراك ، تلفقتها أيدي بعض الفضوليين جانبا ، في حين جر رجال الأمن الشاب واقتادوه بدماءه نحو سيارتهم رباعية الدفع ،لتنفث دخانها في وجه أهل المنزل الطيني الصغير، راقبهم الحاج المعطي بدموع صامتة و هم يجرون فلذة كبده مرة أخرى نحو مخافرهم ، في حين فتحت "لالة خدوج" عينيها بعد لكمة الضابط و انطلقت تبكي و تنوح ، أما بقية أهل المنزل من الإناث فقد أغدقن رؤوسهن سامحات للدموع بحرية الانهمار ، لم تكن المرة الاولى التي يجر فيها " ابراهيم " بهذه الطريقة ، فتحركاته كثيرا ما كانت تغضب "صحاب الحال" لا سيما قائد المنطقة و بعض البرلمانيين الذين لا ينفك يذيقهم من انتقاداته في الأسواق و المناسبات داعيا إلى إسقاط فسادهم و إهلاك سطوتهم ، كثيرا ما تعرض للتهديد و الضرب و التنكيل ، كثيرا ما حملته الأيادي مضطرجا في دمائه على عتبة المنزل ، لكنه كان يردد دوما " أموت شهيدا من أجل بيوت قريتي الطينية خير من أن اعيش ذليلا بين قصور الشمايت " عرضت عليه المناصب و الاموال فرفضها بل و شهر بأصحابها ، كان ثائرا بجلباب و نعل و قرآن و سجادة ، جالت أمه العجوز المدن و القرى تبحث عن حل لابنها المسحور بحب الموت كما تقول ، جريمة اقترفتها أيادي فتاة مجنونة أو صديق حاسد ، هكذا ترى الام ثورة ابنها ، مجرد سحر أعمى عيونه ، فكان يقبل ثغرها المتهالك و يصيح بابتسامته المعهودة " ابنك مسحور بحب الشعب يا أماه ، ولهان بالحق ، كاره للظلم ، عاشق للشهادة ، ستنطلق الزغاريد من بيتك يا أماه يوما لا فرحا بزواج ابنك ولا بحفيد مني لكن بروح زكية صعدت في سبيل قريتك يا أماه" ، كانت كلماته تصيبها بالكآبة و الحزن ، فكلامه الثوري الغاضب أكبر من أن تستوعبه عجوز أمية ، أما الأب فقد سلم بالواقع و استسلم للامور رغما عنه ، فابنه اختار ان يعيش من أجل الآخرين ، لكنه كان يفتخر بمستواه التعليمي و بتميزه عن أقرانه من شباب القرية و هو صاحب الإجازة في القانون الميزة النادرة في هذه البقعة من الأرض .
كان الاعتقال الأخير أشد من سابقيه ، التهمة هذه المرة "أكياس من المخدرات في غرفة الفتى " كل شيئ كان ملفقا بعناية الشياطين ، لا مجال للرحمة فمناصب أهل الجشع مهددة بعفوية شاب أحمق ، عندما يختنق البؤس يصير كل شيئ واجبا في قواميس الغريزة الفاسدة ، لا مجال لمصلح على أرض هي حكر على المفسدين ، عندما وصل إلى المخفر كان قد فقد الكثير من دمه ، انهالت عليه اللكمات مرة أخرى كأنه كيس معلقة وسط شعب من الملاكمين الغاضبين ، كانت التهمة ثقيلة و الأمل غائب ، سيقضي بقية حياته في السجن لا محالة ، بدأ الدوار يباغته ، أحس بالصقيع في أخمص قدميه ، حان وقت اللقاء ، خسر كما هائلا من الدماء، تهشمت جمجمته بالرفس و الركل داخل سيارة الدرك ، مد يده نحو جيبه ليخرج مصحفه الصغير فباغتته ضربة على البطن تكور على إثرها أرضا قبل أن تبدأ جثته في الانتفاض بعنف لتهدأ بعدها مؤذنة لروح الشاب بأن تتحرر ، عم الصمت المكان و تبادل الرجال السب و الشتم و هللوا باﻻمر الجلل و المصيبة الحقة ، تناسلت الأخبار إلى الدوار ، فتناسلت معها آليات الأمن في ازقة القرية و مداخلها و هي تستعد لنسف كل ثورة فتية ...ثورة قادمة ...ثورة متوقعة ...لكن الثورة لم تأتي ، خانت الموعد ، هل مات ثائر القرية سدى ، هل انطفأت شمعته دون أن يضيى البقية ، هكذا اعتقدوا و فرحوا للأمر و أقاموا الولائم سرا بينهم ، لكن الثورة كانت هادئة صامتة عاقلة رزينة ، فبعد ثلاث سنوات أسقطت صناديق شفافة القتلة من أعلى الهرم نحو سفحه و أصعدت إلى القمة تلاميذ الثائر و أهله ..اكتسحت ثورته الهادئة القرية ، فكان لابد لدمائه أن تسقي نبتة التغيير التي جاءت بمصباح أضاء السبل و أسقط أعداء الأفضل ، في ذلك اليوم انطلقت الزغاريد من بيت الحاج المعطي ، انطلقت من افواه النساء و الفتيات و من فم "لالة خدوج " المتهالك ، ألم يبشرها بان الزغاريد قادمة ..الثائر لا ينطق بالكذب ، فزغردي أم ابراهيم


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

كافة الحقوق محفوظة 2012 © site.com مدونة إسم المدونة